Thursday, January 13, 2011

نفاق الجماعة


أرجو أن لا يذهب خيال من يقرأ هذه التدوينة بعيدا ، فأنا لست هنا في معرض الحديث عن جماعة الأخوان المسلمين ، وقانا الله شرور الدنيا والأخرة ، ولكني أردت الأشارة الى النفاق الذي يمارس بصورة جماعية في زمان ومكان محددين بين مجموعة أفراد أو ... جماعة ، فتتطور هذه الممارسة الى شكل أكثر تعقيدا بموجب مجموعة من المحددات تجعلها أكثر قربا لأن ينظر اليها كطقوس أو ربما كعبادات بديلة ينتفي فيها السبب الأساس أو الدافع الأصيل للأنخراط في هذه المنظومة من التفاعل النفاقي
لكي أوضح تماما ما أعنيه ، علي أن أسرد أولا حكاية ظريفة تكررت ربما لكل منا عشرات المرات، ولكنها هذ المرة دعتني الى ان أحاول ألا أعتبرها أمرا عاديا يجب ألا نقف عنده بمجرد هز الرأس والنظر بعيدا في الأفق
بدأ الأمر عندما قام أحدهم بدعوتي لحضور مناسبة اجتماعية ، انتفت أسباب اقامتها التاريخية والاجتماعية منذ وقت ليس بالقصير ، وأقام لهذا الغرض مأدبة عريضة ضمت الى جانبي لفيفا من "الاكاديمين" و"المثقفين" ، و لكي لا أستمر في ظلمهم بمزيد من الألقاب النبيلة ، يكفيني أن أشير اليهم بحملة الشهادات العليا
سارت الأمور بشكل اعتيادي ونمطي كما هي عادتها في مثل هذه المناسبات ، محادثات جانبية عقيمة ، وضوح التقسيمات الجهوية والقبلية ، ابتسامات صفراء تتناثر هنا وهناك ، لا جديد يذكر وكثير من القديم يعاد

سارت الأمور بشكل روتيني ، حتى عندما حان موعد احدى الصلوات ، انتفض أحدهم فجأة وأعلن للملأ من القوم أن الصلاة قد وجبت ، فانطلقت حناجهرهم بالموافقة ، واكتنفت وجوههم نظرة خاشعة ، وأقاموا الصفوف وحاذوا بين المناكب حتى اذا نظرت اليهم، ظننتهم بنيانا مرصوصا
سارت الأمور بشكل روتيني، حتى اذا أتموا الصلاة ، علا الخشوع محياهم، ولهجت ألسنتهم بما تيسر من الدعاء الواجب والنافل، ثم قفلوا عائدين ، حتى اذا استقروا في مقاعدهم بدلوا من سحنتهم ، وانقطع الدعاء من ألسنتهم ، واذا سارت الأمور بكلاسيكية أكثر ، يصمت الجميع لدقائق، كأنما يعبرون نفقا برزخيا ، او ينفضون عنهم تقمصا
عادي؟ أليس كذلك، نعم...عادي
لا، ليس بعادي
هذه الوصلة من الأداء الجماعي المتناغم والمحدد بدقة لطقوس ليست من صميم العبادات ، تمارس في حضرة الجماعة فقط ولا تمارس خلال أداء العبادات بشكل فردي الذي من المفترض أن يكون أكثر خصوصية في العلاقة بين العابد والمعبود ، ولكن هذه الطقوس تكتسب أهمية موازية للعبادات الأصلية بالنسبة للفرد ، حتى اذا تقاعس عن أدائها ، أقيم له محاكمة اجتماعية عاجلة ومكتومة ، يقضي حكمها بنبذ المأفون عن بقية أفراد القطيع
ولتفادي هذا، تتحول الطقوس الى عبادات يؤجر أخذها، ويؤثم تاركها ، ويصبح نفاق الجماعة من نافلة الأمور

وأحب أن أطمئن أي قارئ غاضب، مواظب على أداء النفاق، أني هنا لا أنقص أو أشكك في فرضية أو أهمية صلاة الجماعة باعتباراتها الشرعية والمظهرية ، ولكني أود أن ألفت انتباهك الى حقيقة الأمر، أن الصلاة هي ممارسة التقرب الى الخالق ، لا للعبد ، وأن الخلل الكبير في المنظومة الفكرية الذي نعاني منه، قد أباح ممارسة الجرائم الفكرية والأخلاقية ما دامت تمارس بشكل جماعي ، أو أن تحاط بممارسات دينية لا لعلاقة لها بالأساس، فتكسبها بالتالي قداسة تمنعنا من أن ننتقدها

Tuesday, January 11, 2011

غابة الضعفاء 2


كان الوقت لم يتجاوز منتصف الليل بدقائق عندما وصلنا مشارف الأحراش الشرقية لغابة الضعفاء
كان هذا هو منفذي الوحيد ، لن أستطيع ان أمر به عبر بابها الرئيسي
لن يسمحوا لي
أتركني هنا ، قال بصوت واهن
لا أستطيع تركك هنا ، فالضباع تجوب هذه الأنحاء ليلا ، وحتى ان أفلت منهم، لن تفلت من جامعي الضعفاء
أنا أفلت منهم ، جامعو الضعفاء ، لا أحد يفلت من قبضتهم

***
يقف حارسان عند بابها الرئيسي
يقفان هناك باستمرار ، لا ينوبهما أخران ...لا يتحدثان
لا يعلم أي منا كم مضى من قرون وهما واقفين ، ولا يعلم أحد من أتى بهما
كل ما نعلمه أنهم لا يسمحون لأحد بالدخول أو الخروج من الباب الرئيسي , حتى ذو الحاجبين لا يستطيع الاقتراب منهما

***

كانت الرياح لا تزال تهب من ناحية كهوف جبال الرماد
ينشط نافخو الرياح ليلا ، يقطنون كهوف جبال الرماد ، لن تهدأ الرياح حتى الصباح
علي أن أسرع ، الضباع ليسوا ببعيدين عنا ، أستطيع سماع أصواتهم

أحببتها ، قالها وهو ينظر للسماء ، لم أرى بريق ضوء القمر في عينيه

لا وقت لهذا الان ، قد أدفع ثمن عطفي عليك غاليا
حملته فوق كتفي و أنا أجتاز الاحراش الشرقية للغابة ، لا أستطيع أن أرى جيدا

علي أن أعبر نهر الغضب ، لن يستطيعوا عبور نهر الغضب
كانت أصوات الضباع تقترب أكثر فأكثر ، وضربات قلبي تزداد عنفا

يتبع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ